بسم الله الرحمن الرحيم
الكاتبة / مروة السنهوري … الفاضلة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد
قال أحد أساطين علم الإحسان : ” ولن يفارق السالكُ الواصلَ في شيء من الأمور إلا في أمرين: الأول حصول الكشف، والثاني القيام بالفرائض والنوافل مقرونا باللذة والراحة، كما قال صلى الله عليه وسلم : ” أرحنا بها يا بلال، وجعلت قرة عيني في الصلاة “.
وبلغني – إن صح ذلك – أن كبير العلماء صلى الله عليه وآله وسلم قال : ” نحن معاشر الأنبياء بـُـرآءُ من التــّـكـَـلـّـُـف ” . … أو كما قال عليه أفضل الصلاة والسلام
سأفترض أن مزاولة لغة من اللغات هو أمر تعبـّـدي، وعليه … تكون البداية شاقة ومـُـتـَـكــَـلـَــّـفـة … ثم يتدرج تـَـنـاقـُـصُ مـَـشـَـقـّـتـِـها حتى تؤول إلى العفوية بل وإلى المتعة. وهكذا أجد قاسما مشتركا بين افتراضي وبين مقالتكِ المنشورة بصحيفة الرؤية المتألقة في عددها 1748 في السابع من هذا الشهر الموافق للتاسع من شهر ربيع الثاني لهذه السنة.
سأخلص إلى خلاصتها من منظوري آملا أن يطـّـلع عليها مـَن عناوينـُـهم البريدية مدرجة بقائمة المـُـرسـَـل إليهم الخاصة بهذه الرسالة كونـَـهم ذوي دراية بالـلـسـانيـّـات فيدلوا بدلائهم مشكورين مـُـنـَـوِّها إلى أن المقالة مرفقة بهذه الرسالة.
تـَـنـْـشـُـدُ المقالةُ الأصوبَ لاتخاذ القرار والأبعدَ عن التـّـقيـّـد بالعاطفة مـُـفـْـتـَـرِضـَـةً أن العاطفةَ تـُـحـَـيـّـِـز التفكير السديد. ولأن اللغة يـُـعـْـنـَـى بها الشق الأيسر من الدماغ – وهو الشق المسؤول عن اللغة والمنطق والتفكير النقدي – فإنّ التفكير بلغةٍ غيرِ اللغةِ الأم يـَـحيـدُ بالمرء عن هاوية العاطفة إلى جادة المنطق حسب ما زعم به اختصاصي المخ والأعصاب الدكتور وليد العيسى مـُـشـْـعـِـرا بذلك أن اللغة الأم هي أقربُ ما تكون … تكون إلى الشق الأيمن منها إلى الشق الأيسر، ومـُـلـْـمـِـحاً إلى دارساتٍ علمية أجرتها جامعة شيكاغو كشفت أن القرارات تكون أميل إلى الصواب بنسبة سبعين بالمئة عند التفكير بلغةٍ غيرِ الأم.
هذا من جانب العيسى … أما من جانب الاستشارية النفسية عزة أبو العلا فإنها باختصار ترتكز على كون اللغة هي من اختصاص الشق الأيسر بغض النظر عن كونها أمـّـاً أو غيرَ أم. وعليه فإن الاستعاضةَ بلغةٍ ليست أمـّـاً غيرُ ذي كثير جدوى، إذ إن الشق المستخدم هو هو.
أعلاه كان خلاصة المقالة من منظوري … أمـّـا تساؤلي فهو : لأيـّـة درجة بإمكاننا النفوذ إلى أعماق القلوب عبر اللغة بحيث نغيـّـر السلوك الإنساني كما فعل الأنبياء ذلك أو قريبا مما فعلوا عليهم الصلاة والسلام؟
ويترادف مع التساؤل الآنف ما يلي :
س: هل هناك فرق بين التفكير بواسطة لغة ما – دون التخاطب مع أحد – وبين التحدث بواسطتها حول موضوع التفكير ؟
س: هل مجرد التفكير في موضوع ما دون الحديث يشغل من المخ ما لا يشغله التفكير التحدّثي؟
س: كيف يستخدم الأصم مخه حين يفكر بأمر ما؟ وهل تتفاوت جودة تفكيره بناء على الوسط اللغوي الذي يتعايش فيه … فهو لا يستخدم لغة منطوقة … ولكنه يتعامل مع أناس تستغل أمخاخها حسب لغة ما ….
س: هل نستطيع أن نستخلص سر تحويل الكـَـلـَـف إلى اللذة في التعبّديـّات من خلال مراقبة ما يحصل في الدماغ حين ننتقل من مرحلة المشقة في التحدث بلغةٍ غير الأم إلى مرحلة التلذذ بالتعبير بها؟
س: هل هناك ينبوع لغويّ قلبيّ واحد غير حرفي ولا لساني …. نستصدر عنه حصيلتنا اللغوية المتعددة بين شعوب العالم؟
س: هل نستطيع أن نطوّع لغة ما بحيث تكون لذيذة عفوية بمجرد معرفة سر التحول من الكلف إلى اللذة في التعبديات ؟ … وهذا عكس السؤال الذي ينشد المتعة في العبادة من خلال التــّـلـَـصـّــُـص على خطوات اكتساب لغة جديدة حتى التمكن منها؟
س: كما أن نظام التشغيل الشهير ” نوافذ ” هو أحد أنظمة تشغيل المخ الكهروبي …. وكما أن لغة الآلة الموحدة بين جميع الآلات هي لغة الأصفار والواحدات …. فهل هناك نظم تشغيل للدماغ البشري … وهل هناك لغة قلوب موحدة تنتهي إليها كل لغات البشر؟
س: كما أن النائم والطفل والسكران يهرفون بما يخطر بقلوبهم عفوا دون تكلـّـف …. فهل العقل بناءً على هذا ليس إلا مصفاة تستقصي السيّء من الألفاظ والسلوك بناء على نـُـظـِـمٍ قـِـيـَـمـِـيـَّـةٍ ما …. ؟
س: حين يغضب المرء فإنه يلحن في الكلام … وهذا أظهر ما يكون … يكون فيمن يلتهج لكنة ما تكـلـّـفا … فتراه حين يغضب : إمـّـا أن يكظم اللفظ وإمـّـا أن يلفظه حسب لهجته هو … هل هذا هو أصدق ما يمكن أن نبرهن به على أن اللغة قبل نضجها لا تتفق مع العاطفة …. وهذا قد ينسحب على المشاعر الهائجة الأخرى كالمحبة … والنشوة … والغيرة … إلخ. هل نستطيع أن نستشف من هذا أن العواطف هي السنـّـورة البرّيّة … وأن اللغات تروّضها فتصبح هرا أليفا ؟
س: إذن هل للتدرب على إجادة لغة ما أثر في صقل وتهذيب وترويض النفوس الجامحة البرّيـّـة ؟ هل هي لجام لخيل النفس الجامحة؟ ألا يحضرنا هنا قول الفاروق رضي الله عنه … تعلموا العربية فإنها تزيد في العقل … ؟ – لا أقطع بعزو هذا الأثر إليه
س: قيل إن أركان الإسلام والإيمان هي إيصال …. أما الإحسان فهو وصول …. فهل نستطيع قياسا على هذا أن نقول : إن اللغة إيصال … والبيان وصول ؟ هل لهذا كله علاقة بمفهوم القلب والعقل من منظور إنساني روحي ؟ لاحظ قوله تعالى : ” الرحمن علم القرآن خلق الإنســـــن علمه البيان ” – الرحمن الآيات الأُوَل، ولاحظ قوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم – إن صح انتساب هذا القول إليه – إنّ من البيان لحكمة أو لسحرا لست متأكدا أو ربما إن من الشعر لحكمة … والشعر نوع بيان … ولاحظ أيضا قوله تعالى :” وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبيــّــن لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم “- إبراهيم الآية الرابعة. أرجو المرور على تدوينة بعنوان : ” القول الفصل بين القلب والعقل” توجد على هذا الرابط:
يحضرني الآن تصوير أدبي لطيف ألمحتي إليه أيتها الكاتبة في مقالةٍ لكِ في نفس العدد عازية ًإياه إلى آمنة المازمي مفاده : الكتب نوافذ تشرف منها النفس على عالم الخيال، فبيت بلا كتب … كغرفة بلا نوافذ. وها أنذا أصوغه هنا كالآتي:
البيان نافدة نـُـطـِـلّ من خلالها على القلب … والله أعلم
فضلا .. هلّا أطلعتي كلا من الدكتور وليد العيسى والاسشارية النفسية عزة أبو العلا على هذه الرسالة عـَـلـّـنى أشرف بشيء من أجوبتهما؟